تخوض الدولة اللبنانية الحرب على فايروس "كورونا"، وكل مواطن هو جندي فيها، لذلك ينبغي تأمين أبسط حاجاته ليتمكّن من القتال. من هنا جاءت دعوة الحكومة اللبنانيّة للبلديّات لتلعب دورها في هذا المجال، خصوصا أن البلدية هي المسؤولة عن السكان في نطاقها البلدي، فما هو دورها في هذه الأزمة؟.
بداية ينبغي الفصل بين ما يجب على البلديات فعله، وما يُمكن لها فعله، خصوصا أن الإمكانات للبلديات تختلف بين بلدية وأخرى، فليست كل البلديات كبلدية بيروت مثلا، بحجمها ومالها وقدراتها، وبالتالي هناك بلديات في لبنان تصرف في هذه الأزمة من لحمها الحي، سواء عبر تأمين مستلزمات الفقراء، أو بدء التحضير لإنشاء مركز للحجر الصحي في نطاقها.
يُفترض أن ننطلق من دور البلديات بشكل عام بحسب المحامية كريستينا أبي حيدر نصرالله، فهي سلطة محليّة منتخبة تتمتع بالإستقلالين المالي والإداري، وصلاحيات واسعة جدا ضمن نطاقها الجغرافي، مشددة على أن الأهم من هذا كله هو أن تكون البلدية على معرفة كاملة بواجباتها وصلاحياتها، وأن تمارس هذه الصلاحيات، وأن تخرج عن نطاق عملها التقليدي، وتنفتح وتتطور.
تشير أبي حيدر الى أن قانون البلديات بمادتيه 49 و50، تحدث عن صلاحيات في ظل الأزمات المشابهة للأزمة الراهنة، اذ تتحدث المادة 49 عن إسعاف المعوزين، ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، والمادة 50 عن حق البلديات بإنشاء مستشفى عموميا، ومصحات ومستوصفات ومنشآت صحية، مشددة على أن هذه الصلاحيات تجعل البلدية السلطة الأقوى على الأرض ضمن نطاقها، وهي الأكثر تواصلا مع القاطنين، والأقرب إليهم، وهذا ما يجعل دورها في هذا الوقت استثنائيا.
يفترض بحسب أبي حيدر على كل بلديّة أن تُنشىء غرفة عمليّات وخطّ ساخن، تتلقى عبره شكاوى ومطالب سكانها، وأن تفعّل صفحتها الالكترونية للبقاء على تواصل مباشر مع الناس، وتنظم حملات توعية عبر الرسائل النصيّة، مكبرات الصوت، موقعها الالكتروني، تسهر على تطبيق المراسيم الحكومية، تراقب المؤسسات التجاريّة ومدى التزامها بأوقات العمل، وإجراءات الوقاية، تنشئ لجنة لإدارة الأزمة مؤلّفة من مختصّين يسكنون النطاق البلدي، إقامة دورات تدريبيّة للشرطة البلديّة لتعليم كيفيّة التعامل مع الأزمة.
كثيرة هي واجبات البلديّات، ولكن يقول المثل بأن "العين بصيرة واليد قصيرة"، فهي تعاني من مشكلات عديدة أهمها النقص بالكادر البشري المتخصص، ونقص الأموال.
ترى أبي حيدر أنّالحلّ بالنسبة للمشكلة الاولى يكمن في تفعيلالعمل التطوعي، حفاظا على سلامة القاطنين، ففي أزمة مماثلة فإنّدور الجميع الاتحاد والتعامل سويّة لدرء الأخطار، أما بالنسبة لنقص الاموال فقد قامت الحكومة بعمل أساسي هو تحرير عائدات البلديات من الخليوي والتي تبلغ قيمتها حوالي 111 مليون دولار، بالإضافة للتبرعات والعمل التطوعي.
تحاول البلديات القيام بما أمكن في المرحلة الحاليّة، فهناك من أخذت على عاتقها دفع فواتير الاشتراك بالمولّد الكهربائي للسكّان ضمن نطاقها، وهذا حصل في أكثر من بلديّة على امتداد لبنان، وهناك أخرى تمتلك المولدات قررت إعفاء السكّان من دفع الفواتير، وهناك بلدية في الجنوب مثلا قررت إعطاء كل منزل حصّة غذائية تموينيّة، و500 ألف ليرة لبنانيّة، وهذا بالطبع نتج عن تبرّعات الميسورين في البلدة.
تتّكل الحكومة اللبنانيّة في حربها على "كورونا" على السلطة المحليّة، أي البلدية، والمستشفيات الحكوميّة، والجامعة اللبنانيّة، وهذا ما جعلها تقدّم الإمكانات لها، ولكن الأهم من هذا كله بحسب أبي حيدر هو عدم العودة الى الخلف، فبعد انتهاء أزمة الكورونا، يجب أن ننكبّ على ورشات عمل لتطوير العمل البلدي للوصول الى اللامركزية الفعّالة، لكي تكون البلديات على جهوزيّة تامة عند أيّ استحقاق.
لو أنّ الدولة اهتمّت بالبلديات كما يجب، وأعطتها حقوقها الماليّة بوقتها، واعتنت بالمستشفيات الحكوميّة، والجامعة اللبنانيّة، لما كانت عانت كما تعاني اليوم، فهل تشكل الأزمة الحالية درسا لكيفيّة التعاطي مع هذه القطاعات؟!.